الحلقة الخامسة | طارق بن زياد | قائد غير التاريخ

0

الحلقة الخامسة | طارق بن زياد | قائد غير التاريخ

إعداد / شامل حلمي



سجل التاريخ اسم طارق بن زياد في أهم صفحاته نظراً للإنجاز العظيم الذي قام به حين فتح الأندلس مقيماً في ذلك دولة للمسلمين في بلاد الأندلس و التي تعرف اليوم باسبانيا و البرتغال حيث ظلت تلك الدولة قائمة لمدة ثمانية قرون .

 نشأ "طارق بن زياد" كسائر أطفال المسلمين ،متعلماً الكتابة و القراءة وحفظ سورًا من القرآن الكريم وبعضًا من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم- ، و قد تميز بحبه للجندية مما ساعده في أن يلتحق بجيش "موسى بن نصير" أمير "المغرب" ، وأن يشترك معه في الفتوح الإسلامية ،مظهراً في ذلك شجاعة فائقة في القتال ، ومهارة متميزة في القيادة لفتت أنظار"موسى بن نصير" ، الذي أعجب بقدراته و مهاراته، واختاره حاكمًا لمدينة طنجة المغربية التي تطل على البحر المتوسط . 

 كما استخلص الدكتور محمد علي الصلابي من بعض المصادر التاريخيَّة أوصافًا لطارق بن زياد: طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللَّون، وهي صفات فيما يبدو بربريَّة، أسلم على يد موسى بن نصير - رحمهما الله، وليس كما ذهبت بعض المصادر إلى أنه فارسي وأخرى قالت إنه عربي.

شخصية "طارق بن زياد"
 كان "طارق بن زياد" قائدًا عظيمًا يتمتع بعزيمة و إيمان و صبر و إصرار مكنه من الوصول إلى هذه المكانة الكبيرة و العظيمة . 

 نجح طارق بن زياد في تحقيق انتصاراته لأنه كان يفكر أحسن تفكير في كل خطوة يخطوها ، ويتأنى في جمع معلوماته و اخاذ قراراته، و من ذلك أنه قبل أن يعبر إلى "الأندلس" أرسل حملة استطلاعية كشفت له أحوال "الأندلس" .
كان طارق إضافة لذلك صادق الإيمان موقناً بنصر الله حتى في أحرج الأوقات و أصعبها ، فظل ثمانية أيام يحارب عدوه في لقاء صعب و غير متكافئ في العدد أو العدة ، لكنه تمكن من تحقيق النصر بفضل الله في النهاية .

- يعد طارق بن زياد قائداً عظيماً من قبائل البربر التي فتحها المسلمون في بلاد المغرب ، أي أنه ينتمي لأصول غير عربية
 - تمكن بفضل مواهبه العسكرية من الترقى في جيش "موسى بن نصير" إلى أن وصل إلى أعلى المناصب و أرفعها . 

 - ولاه "موسى بن نصير"إمارة مدينة
 "طنجة" حيث كان ذلك تقديرًا لمهارته وكفاءته . - اتصل به الكونت "يوليان" طالباً منه المساعدة في فتح "الأندلس" وتخليص أهلها من ظلم ملكها . 

- عبر بجنوده البحر المتوسط إلى بلاد "الأندلس" ،متجمعين عند جبل لا يزال يعرف باسمه حتى الآن
 - دخل في معركة حاسمة مع ملك القوط في "شذونة" و الذي يدعى ليذرق، ونجح بعد ثمانية أيام من القتال العنيف في تحقيق النصر. 

- نجح بعد ذلك في مواصلة الفتح والاستيلاء على عاصمة القوط "طليطلة" .
- ذهب إليه "موسى بن نصير" ، وقام كلاً منهما باستكمال فتح "الأندلس" .
 ونحن نتحدث عن القائد الفذ طارق بن زياد فلابد لنا من ان نتحدث عن مسألة خطيرة يقتنع بعا الكثير من المسلمون للاسف وهي هل احرق طارق بن زياد سفن المسلمين كي يمنع علي جنوده خط الرجعة قبل مواجهة العدو؟ 

 الباحثين - بقوله: الحقُّ أنَّ هذه الرِّواية لا يجب أبدًا أن تستقيم، وهي من الرِّوايات الباطلة التي أدخلت إدخالاً على تاريخ المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: أنَّ هذه الرِّواية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي؛ لأن عندنا علم الرجال وعلم الجرح والتعديل، ولابدَّ أن تكونَ الرِّواية منقولة عن طريق أناس موثوق فيهم، فهذه الرواية لم ترِدْ أبدًا في روايات المسلمين الموثوق في تأريخها، إنَّما جاءت فقط في الرِّوايات الأوروبيّة.

ثانيًا: أنَّه لو حدَث فعلاً حرقٌ لِهذه السّفن كان لا بدَّ أن يَحدثَ رد فعل من موسى بن نصير أو الوليد بن عبدالملك سؤالاً عن هذه الواقعة؛ فلا بدَّ أن يكون هناك حوار بين موسى بن نصير وبين طارق بن زياد حول هذه القضية. ولا بدَّ أن يكون هناك تعليق من الوليد بن عبدالملك، ولا بدَّ أن يكون هناك تعليق من علماء المسلمين: هل يجوز هذا الفعل أم لا يجوز؟ ولذلك فإنَّ الكتب اختفى منها ردّ الفعل تَمامًا ممَّا يعطي شكًّا كبيرًا في حدوثها.

ثالثًا: أنَّ المصادر الأوروبيَّة قد أشاعتْ هذا الأمر؛ لأنَّ الأوروبيين لا يستطيعون تفسير كيف انتصر 12 ألف منَ الرجال الرجّالة على 100 ألف فارس في بلادهم وعقر دارهم وفي أرض عرفوها، وهم من الخيالية. فقالوا: إنَّ طارق بن زياد حرق سفنه ليجبر الجنود على القتال فانتصروا؛ لأنَّ الأوروبيين لا يستطيعون فهم القاعدة القرآنية: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]؛ بل إنَّ الأصل المُتَكرر في معظم المعارك الإسلاميّة أن يكون المسلمون قلَّة، وأن يكون الكافرون كثرة وأن ينتصر المسلمون بهذا العدد القليل؛ بل إنَّه منَ العَجَب العُجاب أنَّه لو زادَ أعداد المسلمين انهزموا كما حدث في حنين: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]

 رابعًا: أنَّ المسلمين لا يحتاجون إلى تحميس بحرق السفن، فقد جاؤوا إلى هذه الأماكن راغبين في الجهاد في سبيل الله طالبين الموت في سبيل الله، فلا حاجة للقائد أن يحمس المسلمين بحرق السفن.

خامسًا: ليس منَ المعقول أنَّ قائدًا مُحَنَّكًا مثل طارق بن زياد - رحمه الله - يحرق سفنه ويحرق خط الرجعة عليه، ماذا لو انهزم المسلمون في معركة منَ المعارك، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].

أي إنَّ هناك احتمال أن ينسحبَ المسلمون من ميدان المعركة؛ إمَّا تحيزًا إلى فئة وفئة المسلمين كانت في المغرب في الشمال الإفريقي، فكيف يقطع طارق بن زياد على نفسه طريق الانحياز إلى فئة المسلمين أو يقطع على نفسه التَّحَرُّف إلى قتال جديد والاستعداد إلى قتال جديد.

فإنَّ مسألة الحرق هذه فيها تَجاوز شرعي كبير لا يقدم عليه رجل في ورع وتقوى وعلم وجهاد طارق بن زياد - رحمه الله، وما كان علماء المسلمين وحُكَّامهم ليسكتوا على هذا الفعل إن حدث.
سادسًا: إن طارق بن زياد لا يملك كل السفن؛ بل كانت مؤجَّرة من يوليان، وكان طارق بن زياد يعطيه أجرة عن هذه السفن، وكان سيردّها إليه عندما يرجع إلى ميناء "سبتة"، فليس من حقّ طارق بن زياد أن يحرقَ هذه السفن.

لكل هذه الأمور نقول: إنَّ قصَّة حرق السُّفن هي قصة مختلقة أشيعت؛ لتهون من فتح الأندلس.
وذكر أنصار هذا الرَّأي مجموعة منَ الأدلَّة:
1 - أنَّ طارق بن زياد لا يمكن أن يقطعَ وسيلة النجاة للعودة، خاصَّة وأنَّه في أرض مجهولة ولا يعلم مصيره ولا مصير جنوده.
2 - أنَّ طارق بن زياد أرسلَ إلى موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات بعد أن عبر وتواجه مع جيش القوط هناك، فأرْسل له موسى بن نصير خمسة آلاف مقاتل، والسُّؤال هناك كيف استطاع موسى أن ينقل كل هذه الأعداد إذا كان طارق قد أحرق السفن؟!
3 - ويمكن أن يقالَ أيضًا: وهل تستطيع المصانع الإسلاميَّة أن توفِّر سفنًا تنقل خمسة آلاف مقاتل في تلك الفترة الوجيزة، إن كان طارق قد أحرقَ السفن.
4 - ولو قلنا مثلاً إنَّ تلكَ السُّفن التي أحرقها طارق هي مراكب يوليان حاكم سبتة، فبأي سلطة يقدم طارق على إحراق سفن الرجل؟
5 - وكيف لطارق أن يتصرَّفَ في أموال الدولة على هواه؛ بل يجب عليه أن يستأذنَ الخليفة في هذا الصنيع، ولا يَتَصَرَّفَ بنفسه.
6 - ثمَّ إنَّ طارقًا وجيشه يقاتلون من أجل عقيدة، وإنَّهم من ساعة عبورهم جاؤوا مجاهدين مُستَعدِّين للشهادة، وطارق مُتَأكد من هذه المعاني.
 نعود لموسي وطارق ومواصلة فتح الاندلس.. فبعد أن استراح القائدان قليلاً في طليطلة عاودا الفتح مرَّة ثانية، وافتتحا سَرَقُسْطَة وطَرَّكُونة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المدن، ثم افترق الفاتحان، وسار كلٌّ منهما في ناحية حتى أتمَّا فتح الأندلس.
 انقطعت أخبار القائد طارق بن زياد إثر وصوله إلى الشام مع موسى بن نصير،عقب استدعاء الخليفة الوليد لهما، واضطربت أقوال المؤرخين في نهاية طارق؛ غير أن الراجح أنه لم يُوَلَّ عملًا بعد ذلك.

لقد كان طارق بن زياد قائدًا عظيمًا؛ استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة، ونجح في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يُفَكِّر في كل خطوة يخطوها، ويتأنَّى في اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرُّك، كما كان مؤمنًا صادقَ الإيمان على يقينٍ من نصر الله حتى في أحرج الأوقات، فظلَّ ثمانية أيام يُحارب عدوَّه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعُدَّة؛ لكنه تمكَّن من تحقيق النصر في النهاية بفضل الله تعالى.

ميراث طارق بن زياد :
 يُعتبر طارق بن زياد أحد أشهر القادة العسكريين المُسلمين في التاريخ، ومن أهمهم على الإطلاق، وهو من أكثر الشخصيَّات الوطنيَّة إجلالًا في المغرب العربي، في كلٍ من الجزائر والمغرب بشكلٍ خاص، وعند العرب والأمازيغ على حدٍ سواء، وقد سُمِّيت باسمه الكثير من المواقع تكريمًا له وتخليدًا لذكراه، في البلدان الإسلاميَّة وخارجها. من هذه على سبيل المِثال أكاديميَّة طارق بن زياد في إنفر غروف هايتس، مينيسوتا، بالولايات المتحدة، وهي مدرسة ابتدائيَّة مدعومة من مؤسسة الإغاثة الإسلاميَّة الأمريكيَّة، وفي سنة 2012م أصدر البنك المركزي البريطاني لحكومة جبل طارق ورقة مالية تحمل صورة طارق بن زياد، والورقة الماليَّة هذه من فئة 5 جنيهات استرلينيَّة، ويظهر عليها طارق بن زياد يحمل سيفًا.

 . لكن الإرث الأهم لطارق بن زياد يبقى المضيق الفاصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي الذي حمل اسمه منذ أن عبره وحتى الزمن الحالي.. ليظل علي مر العصور اسم طارق بن زياد خالداً
 .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © الإسلام و الأندلُس | تاريخ وحضارة

تصميم الورشه