الحلقة الثانية | الأندلس قبل الفتح الإسلامي

0

سلسلة تاريخ الأندلس / الأندلس قبل الفتح الإسلامي

إعداد / شامل حلمي




من المهم للغاية ان نعرف تاريخ الأندلس قبل الفتح، وكيف كانت احوال شبه الجزيرة الإيبيرية قبل قدوم المسلمين إليها.
تاريخ الأندلس قديم للغاية، وأصل السكان القدامى مزيج من الكلت والأيبريين، وقد أسـس الفينيقيون في القرن العاشر قبل الميلاد، وعلى سواحل الأندلس، عدة مستعمرات، وأطلق اليونانيون على هذه السواحل أسم أيبر يا، ثم أطلق الاسم على شبه الجزيرة كلها.

ومنذ القرن الخامس ق.م، خضعت الأندلس للقرطاجيين، وازدهرت مدينة قرطاجنة الجديدة في عهدهم، واتخذوها حاضرة لهم . وهكذا تلقت الأندلس، منذ سنة 535 ق.م حتى 205 ق.م، تأثيرين هامين أحدهما أوروبي وهو التأثير الكلتي واليوناني، والآخر أسيوي أفريقي أو سامي، وهو تأثير القرطاجيين، ثم تحول هذا التأثير إلى لاتيني أوروبي عند مجيء الرومان عام 205 قبل الميلاد.

وفي عام 218 ق.م رسا القائد الروماني استبيون في ميناء أمبورياس، وأخذت جيوشه تكتسح الإقليم المجاور لهذا الميناء ما بين البرانس ونهر إبرة، وأرسلت روما إلى أسبانيا سنة 210 ق.م قوات كبيرة للقضاء على نفوذ القرطاجيين. ويعتبر عام 209 ق.م عاما حاسما في تاريخ أسبانيا القديم، إذ تحركت قوات استيبون من طركونة، يعاونها أسطول بحري اتجه إلى قرطاجنة، وسقطت العاصمة القرطاجية أمام الحصار البري والبحري الذي فرضه الرومان، وتبعتها سائر المدن الأندلسية، فسقطت قادش أخيرا عام 206 ق.م . 

وأسـس الرومان مدينة طالفة Italica وهو اسم مشتق من كلمة إيطاليا إشارة بالموطن الأصلي للرومان.
أصبحت الأندلس إقليما رومانيا، نشروا فيه الحضارة الرومانية والقانون الروماني، وهكذا سادت نظم الرومان وخضع الأسبان لسلطانهم ونهج نظمهم، واصطبغت أسبانيا من الوجهة الاجتماعية بالصبغة الرومانية المسيحية.

ثم ضعفت الدولة الرومانية واجتاحتها قبائل جرمانية في موجات متتالية حتى استقر بها القوط الغربيون Visigoths واضمحلت الأندلس في السنوات الأولى من القرن الثامن الميلادي، إذ أن ملوكها القوط استنفذوا كل موارد البلاد، أما غالبية الشعب فقد كان يحيا حياة الفقر الشنيع، على نقيض ما كان يتمتع به النبلاء والأشراف.


الأندلس قبل الفتح الإسلامي

كانت الأندلس في الفترة الأخيرة من الحكم القوطي، تعاني ضعفا سياسيا واجتماعية جعلها فريسة سهلة لأي فاتح يقبل عليها من الشمال أو الجنوب .. فإذا نظرنا إلى المجتمع في ذلك الوقت، وجدناه منقسما إلى طبقات يسيطر بعضها على بعض سيطرة تامة:
طبقات المجتمع قبيل الفتح

أولاً :الطبقة العليا المكونة من النبلاء: كان النظام السائد، في ذلك الوقت يتم بتعين الملك بالانتخاب وليس بالوراثة ، فالملكية القوطية كانت ملكية انتخابية. وعلى الرغم من محاسن هذا النظام الذي يجعل الحكم للأصح، غير أنه أدى إلى وجود تنافس مستمر بين النبلاء للوصول إلى العرش، فكانت الدسائس والمؤامرات والاغتيالات سمة النظام وذلك العصر والتي أضعفت من قوة الدولة .. وأفراد هذه الطبقة من النبلاء كان نفوذهم غير محدود كما كانت ممتلكاتهم شاسعة ومعفاة من الضرائب.

ثانيا: طبقة رجال الدين: وأفراد هذه الطبقة كان نفوذهم غير محدود كذلك، لأن الدين في العصور الوسطى كان مسيطرا على كل شيء تقريبا، إلى درجة أن العامة من الناس كانت تعتقد أن رجل الدين في استطاعته أن يدخله الجنة أو النار. كما كان لرجال الدين نفوذ سياسي إلى جانب نفوذهم الروحي، حيث كان عليهم أن يعلنوا مبايعة ومباركة الملك الجديد بعد انتخابه وتكليله بتاج الملك في الكاتدرائية أو الكنيسة، وهذا يشير ضمنا إلى اشتراكهم ومشاركتهم في انتخاب الملك. بالإضافة إلى أن ممتلكاتهم العقارية كانت معفاة من الضرائب كما كان عليه النبلاء تماما.

ثالثا: الطبقة الوسطى: وهذه الطبقة هي بالعادة الطبقة العصامية الحرة المستنيرة، كثرتها كانت تدل على رخاء المجتمع، وقلتها تدل على اختلاله، فهي ميزان ترمومتر المجتمع . ففي الفترة الأخيرة من حكم الدولة القوطية يلاحظ أن هذه الطبقة الوسطى كانت قليلة العدد، مثقلة بالضرائب، وحالتها سيئة.

رابعا: الطبقة الدنيا: هذه الطبقة كانت اكثر عددا من الطبقات السابقة، وأقل حقوقا. ومعظم أفرادها كانوا يعملون في مزارع النبلاء ورجال الدين، وهم مرتبطون بالأرض التي يشتغلون فيها، وبالتالي كانوا ملك لصاحبها، وينتقلون معها إذا جرى بيع الأرض أو انتقلت إلى ملكية شخص آخر، لذلك كان أغلبية السكان عبيد للأرض.!

خامسا: طبقة اليهود: كان عدد اليهود كبيرا في أسبانيا، وكانوا يقومون بالأعمال المالية والحسابية في دواوين الحكومة، ولكنهم كانوا مكروهين بسبب اختلاف عقيدتهم، وبسبب تعاطيهم الربا، ولذا تعرضوا للكثير من الفتن والقلاقل والإضرابات، واضطروا فيها إلى محاولة قلب نظام الحكم عن طريق الثورة حينا، وعن طريق المؤامرات حينا آخر.

ويبدو آن اليهود في أسبانيا كانوا على اتصال بأبناء ملتهم في شمال أفريقيا، وعلى علم بأخبار الحرية الدينية الالتي كانوا يتمتعون بها في ظل الحكم الإسلامي، وقد دفعهم هذا إلى محاولة إسقاط الدولة القوطية والاستعانة بالعرب.

هذه هي الحالة الاجتماعية في أسبانيا قبل الفتح الإسلامي، ونلاحظ فيها مجتمعا فاسدا مفككا غير متماسك ، كما هي الحالة السياسية التي مرت بها أسبانيا في الثلاثين سنة الأخيرة من حكمها، فنجد أن هي الأخرى كانت سيئة وغير مستقرة

والواقع أن الصورة التي تمثل هذا العصر الأخير صورة مظلمة قاتمة، ففيه كثرت المشاكل التي تعانيها الدولة من مؤامرات ومصادمات حول العرش، وصراع بين العناصر الخاضعة للقوط، ولم يكن علاج هذه المشكلات متوفرٌا لضعف الملوك وتجردهم من مظاهر القوة والسلطان، وضعف الروح الحربية عند القوط، بعد أن تخلوا عن خشونتهم القديمة التي جعلت منهم رجال حرب، واستغرقوا في حياة الترف، في الوقت الذي نمت فيه السلطات الكنسية، وأصبح الأساقفة يسيّرون الدولة ويستبدون بشؤونها.
الملك غيطشة Witiza

وعندما تولى غيطشة Witiza عرش البلاد في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 700م بعد وفاة الملك اخيكا Egica :كانت أحوال البلاد قد بلغت غاية السوء، وحاول غيطشة أن يصلح من حال البلاد، وبالفعل كان القسم الأول من عصره يتسم بالهدوء واٌلإصلاح، فقد طبق العدل في أحكامه، وأفرج عن المسجونين، وسمح للمنفيين بالعودة إلى ديارهم، وتعويضهم عن أملاكهم المصادرة، الا انه قد عدل عن سياسته بعد ذلك، وبدأ في ظلم الشعب والاستبداد، ويرى المؤرخ الدكتور السيد عبد العزيز سالم في كتابه (تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس) بالاستناد إلى ما أورده ابن القوطية، أنه يغلب على الظن أن مجلس طليطلة قد أفتى بخلع غيطشة عندما أقدم على توليه ابنه الطفل وقلة Achila العهد من بعده، وتنصيبه حاكما على ولايتي أربونة وطركونة تحت وصاية رخشندش Rechesindo أخي غيطشة. فكان هذا التصرف سببا في إثارة الطامعين في العرش من قواد الجيش وكبار النبلاء، لاستصغارهم لأبناء غيطشة الثلاثة، ويبدو أن قرار مجلس طليطلة اتفق صدوره قبل وفاة غيطشة مباشرة، وأحدث انقساما بين طبقات الشعب، فقامت الثورات في كل أنحاء ابارية، ومات غيطشة تاركا البلاد على فوهة بركان، فقد اختار الحزب المعارض لأولاد غيطشة، لذرق Rodrigo دوق باطقة وحاكمها بقرطبة ملكا على البلاد

فبعد أن اغتصب لذر يق عرش الأندلس من وقلة Achila وقتل الملك رخشندش أمعن في مطاردة بيت غيطشة، وتتبع أنصاره بالأذى، فهبوا ضد هذا المغتصب المتسور، الذي انتزع الملك من البيت الشرعي لنفسه، وبدأت حركة استقلالية في أطراف البلاد، ظلت مستمرة حتى دخول المسلمين أرض الأندلس ، واشتعلت نيران الثورات في طليطلة وغيرها، وساءت حال البلاد في عهد لذر يق، إذ أرهق شعبه بالضرائب الفادحة لحاجته إلى المال لمواجهة أعدائه، ويبدو أنه اعتدى على ذخائر الكنائس القوطية ونفائسها التي كانت محفوظة في غرفتين مغلقتين بكنيستي سان بدرو وسان بابلو بطليطلة ونصحه القساوسة ورجال البلاط بعدم الإقدام على ذلك، فلم يصغ لنصحهم، ومن هنا جاءت الأسطورة التي رواها مؤرخو العرب، وهي أسطورة بيت الحكمة.

أسطورة بيت الحكمة

تقول هذه الأسطورة أنه كان بطليطلة، دار ملك القوط، بيت مغلق يحرسه قوم من ثقاة القوط، وكانت العادة أنه إذا تولى من القوط ملك، زاد على البيت قفلا، فلما تولى لذر يق عزم على فتح الباب والاطلاع على ما بداخل هذا البيت، فأعظم ذلك أكابرهم، وتضرعوا إليه أن يكف عن ذلك، فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه، ودخله، فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا المائدة التي كانت تعرف بمائدة سليمان، وتابوت عليه قفل، فأمر بفتحه، فألفاه فارغا، ليس فيه إلا شقة مدرجة، قد صورت فيها صور العرب على الخيول، وعليهم العمائم، متقلدي السيوف، متنكبى القسى، رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية، فقرأت، فإذا هي تقول: إذا كسرت هذه الأقفال من هذا البيت، وفتح التابوت، ظهر ما فيه من هذه الصور، فإن الأمة المصورة فيه تغاب على الأندلس وتملكها… هذه الرواية ذكرها ابن القوطية القرطبي في كتابة تاريخ افتتاح الأندلس.وكذلك في كتاب نفح الطيب .
أبناء غيطشة 

في كتاب الدكتور حسين مؤنس (فجر الأندلس) يعتمد المؤلف على رواية للمؤرخ الأسباني سبستيان الشلمنقي، ولكن د. مؤنس لا يوافقه على الرأي القائل بأن أبناء غيطشة اتصلوا بالعرب قبل الفتح، ويعتقد انهم لم يحرضوا العرب على فتح الأندلس. غير انه يناقض نفسه، إذ يعود إلى ترجيح اتصال أبناء الملك غيطشة بالعرب في بلاد المغرب. أما الدكتور السيد عبد العزيز سالم، فيرجح اتصال أبناء غيطشة وأنصاره على الأقل، بالعرب في بلاد المغرب، وذلك قبل عبور جيش طارق إلى الأندلس بفترة طويلة

ويبدو أن أولاد غيطشة وأقرباءه اتصلوا بيليان أو جوليان Yulian حاكم سبته والتمسوا منه أن يتصل بالعرب، ويطلب منهم فتح الأندلس ، اعتقادا منهم بأن العرب الطارقون للأندلس لا حاجة لهم في استيطانه بعد فتحه، وأن مرادهم ملأ أيديهم من الغنائم ثم يخرجوا عنها لأصحابها.


غدا ان شاء الله في الحلقة الثالثة نناقش موضوعا هاما جدا وهو موضوع يوليان حاكم سبتة، وحادثة اغتصاب ابنته علي يد روزريق، وموضوع اتصاله بالمسلمين وتشجيعهم علي فتح الأندلس.. تابعونا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © الإسلام و الأندلُس | تاريخ وحضارة

تصميم الورشه