الحلقة الرابعة | موسي بن نصير| اسطورة خلدها التاريخ
إعداد / شامل حلمي
(وايم الله لا أريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي، وهو خير الحاكمين).. ما أروع كلامك أيها القائد العظيم .
في خلافة (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ولد (موسى بن نصير) سنة 19هـ/6400م في قرية من قرى الخليل في شمال فلسطين تسمي (كفر مترى) فتعلم الكتابة، وحفظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، ونظم الشعر، ولما كان والده (نصير) قائدًا لحرس معاوية بن أبي سفيان ومن كبار معاونيه؛ تهيأت الفرصة لـ(موسى) لأن يكون قريبًا من كبار قادة الفتح، وأصحاب الرأي والسياسة، ويرى عن قرب ما يحدث في دار الخلافة .
وشب موسى وهو يشاهد جيوش المسلمين تجاهد في سبيل الله، لنشر الدين الإسلامي في ربوع الأرض، ورأى والده وهو يستعد لإحدى الحروب، وقد لبس خوذته، وتقلد سيفه، فنظر إليه وأطال النظر، وتمنى أن يكون مثل أبيه يجاهد في سبيل الله ويرفع راية الإسلام، وجاءت اللحظة الموعودة لينال موسى قيادة بعض الحملات البحرية التي وجهها معاوية لإعادة غزو (قبرص) التي سبق أن فتحها معاوية في سنة 27هـ؛ فنجح في غزوها، وبنى هناك حصونًا، ثم تولى إمارتها، وفي سنة 53هـ (673م)، كان موسى أحد القادة الذين خرجوا لغزو جزيرة (رودس) التي انتصر المسلمون فيها.
وتمر الأيام والسنون ويتولى مروان بن الحكم الخلافة، ويتحين موسى بن نصير الفرصة ليحقق أحلامه وطموحاته، ففي سنة 65هـ/ 684م أمر مروان بتجهيز الجيش للسير به نحو مصر، وزحف الجند مسرعين بقيادة ابنه (عبد العزيز) وصديقه (موسى بن نصير) ووصل الجيش إلى مصر، واستطاع مروان أن يضمها تحت لواء المروانيين الأمويين، ثم غادرها إلى دمشق بعد أن عين ابنه (عبد العزيز) واليًا، وجعل موسى بن نصير وزيرًا له.
وعاش موسى مع عبد العزيز بن مروان في مصر، فكان موضع سره، ووزيره الأول، يساعده في حكم مصر، حتى ازدادت خبرة موسى في شئون السياسة والحكم، ومات مروان، وتولى الخلافة بدلاً منه ابنه (عبد الملك) وكان عبد العزيز بن مروان يشيد بشجاعة موسى وإخلاصه أمام الخليفة مما جعله يخص موسى بالحفاوة والتكريم.
وفي يوم من الأيام حمل البريد رسالة من الخليفة إلى أخيـه عبد العزيز والي مصر يخبره فيها بأنه قد عين أخاه بشر بن مروان واليًا على البصرة، وجعل موسى بن نصير وزيرًا يساعده على إدارة الولاية ورئيسًا لديوان العراق، ومكن الله لموسى، وثبت أركان وزارته، فلم يمضِ وقت طويل، حتى عين الخليفة أخاه بشرًا على الكوفة، وبذلك ترك لموسى بن نصير ولاية البصرة ليدير شئونها وحده بوعي وبصيرة، ثم عَيَّنَه صديقه عبد العزيز بن مروان واليًا على شمال إفريقية بدلاً من حسان بن النعمان الذي غضب عليه عبد العزيز.
وتمكن موسى في زمن قصير من تجهيز جيش إسلامي قوي قادر على النصر، وسار برجاله، ووقف بينهم خطيبًا، فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه: إنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضَّ على مثلها، ومن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون.. ثم انطلق موسى بجيشه نحو المغرب حيث تزعزع الأمن هناك برحيل الأمير السابق حسان بن النعمان وقيام البربر بالعديد من الغارات على المسلمين.
واستطاع موسى أن يهزم قبائل البربر التي خرجت عن طاعة المسلمين، ولما وصل إلى مدينة القيروان، صلى بالجند صلاة شكر لله على النصر، ثم صعد المنبر وخطب قائلاً: (وايم الله لا أريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) وانتشرت جيوش (موسى بن نصير) في شرق المغرب وشماله تفتح كل ما يصادفها من الحصون المنيعة، حتى أخضع القبائل التي لم تكن قد خضعت بعد للمسلمين.
وتطلع موسى إلى فتح (طنجة) التي كانت تحت سيادة الأمير الرومي (يوليان) فانطلق من قاعدته في القيروان بجيش كبير تحت قيادة طارق بن زياد حتى وصل إلى (طنجة) فحاصرها حصارًا طويلا وشديدًا حتى فتحها، وأقام للمسلمين مُدنًا جديدة فيها، وأسلم أهلها، وبعث موسى لصديقه عبد العزيز يبشره بالفتح، وأن خُمس الغنائم قد بلغ ثلاثين ألفًا، وجاءت الرسل إلى الخليفة في دمشق تزفُّ إليه خبر النصر، ففرح فرحًا شديدًا لانتصارات موسى، وكافأه على انتصاراته، ولم يكتفِ موسى بهذه الانتصارات، بل أخذ يجهز أسطولا بحريًّا، وأمر في الحال ببناء ترسانة بحرية في تونس، فجاء بصانعي المراكب، وأمرهم بإقامة مائة مركب
وبعد أن تمَّ له إنشاء السفن أمر جنوده بأن يركبوا السفن وعلى رأسهم ابنه عبد الله، ثم أمره بفتح جزيرة (صقلية) وسار عبد الله بن موسى بجند الحق حتى وصل إلى الجزيرة فدخلها، وأخذ منها غنائم كثيرة، حتى وصل نصيب الجندي مائة دينار من الذهب، وكان عدد الجنود المسلمين ما بين التسعمائة إلى الألف، ثم عـاد عبد الله بن موسى من غزواته سالمًا غانممًا، وبعث موسى قائده (عياش بن أخيل) على مراكب أهل إفريقية، ففتح جزيرة صقلية للمرة الثانية، واستولى على مدينة من مدنها تسمي (سرقوسة) وعاد منتصرًا.
وفي سنة 899هـ بعث موسى بن نصير (عبد الله بن فرة) لغزو (سردينيا) ففتحها، وفي العام نفسه، جهز موسى ولده عبد الله، بما يحتاجه من جند وعتاد، ثم سار في البحر، ففتح جزيرتي (ميورقة) و(منورقة) وهما جزيرتان في البحر بين صقلية والشاطئ الأندلسي.
وبدأ موسى بن نصير ينشر دين الله في المدن المفتوحة، ونجح في ذلك نجاحًا
كبيرًا، وحكم بين أهل هذه البلاد بالعدل، لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأحبوا الإسلام، واستجابوا لدعوة الحق، ودخلوا في دين الله
أفواجًا، وتحولوا من الشرك والكفر إلى الإسلام والتوحيد بفضل الله أولا، ثم بجهود موسى وبطولاته.
ولما ضمن موسى ولاء أهل المغرب واستمساكهم بدعوة الإسلام، أخذ يعد العدة لغزو جديد، وبينما هو يفكر في هذا الأمر إذ جاءه رسول من قبل طارق بن زياد يعرض عليه فتح الأندلس ويخبره بأن يوليان حاكم (سبته)، على استعداد لمعاونة العرب في ذلك، وتقديم السفن اللازمة لنقل الجنود المسلمين، وبعث موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يستشيره، فردَّ عليه الخليفة بقوله: (خضها أولاً بالسرايا يعني بقلة من الجنود حتى ترى وتختبر شأنها ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال).
فأرسل موسى رجلاً من البربر يسمى (طريف بن مالك) في مائة فارس وأربعمائة رجل، وركب هو وجنوده البحر في أربعة مراكب حتى نزل ساحل الأندلس فأصاب سبيًا كثيرًا ومالاً وفيرًا، ثم رجع إلى المغرب غانمًا سالمًا، وفي شهر رجب من عام 92هـ جهز موسى جيشًا خليطًا من العرب والبربر تعداده سبعة آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد، وانطلق طارق بالجيش إلى أن وصل سبتة، وهناك خطط لعبور المضيق، وفي اليوم الخامس من شهر رجب سنة 92هـ (إبريل 710م) وبفضل الله كانت آخر دفعة من الجنود بقيادة طارق تعبر المضيق الذي حمل اسم طارق بن زياد منذ ذلك الوقت.
ونزل طارق -قائد جيش موسى بن نصير- أرض الأندلس، وبعد عدة معارك فتح الجزيرة الخضراء، وعلم الإمبراطور (لذريق) بنزول المسلمين في أسبانيا من (بتشو) حاكم إحدى المقاطعات الجنوبية الذي بعث إليه يقول: أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة ..النجدة، والعودة على عجل.
وزحف لذريق بجيش كبير ليوقف المسلمين عن الزحف، فأرسل طارق إلى موسى مستنجدًا، فأمده بخمسة آلاف من المسلمين على رأسهم طريف بن مالك وأكثرهم من الفرسان فأصبح تعداد جيش المسلمين اثني عشر ألفًا، وكان اللقاء الحاسم بين جيش المسلمين بقيادة طارق بن زياد، وجيش الإمبراطور لذريق يوم الأحد 28 من شهر رمضان المبارك عام 92هـ، واستمرت المعركة حوالي سبعة أيام، انتهت بانتصار المسلمين بفضل الله في معركة عرفت باسم معركة (شذونة) أو معركة (وادي البرباط).
وبعد ذلك عبر موسي الي الأندلس حيث قَدِمَ موسى بن نصير وسلك بالجيش نحو المدن التي لم يفتحها طارق، فتوجَّه نحو إِشْبِيلِيَة وفي الطريق أعاد إخضاع شَذُونَة، وافتتح قَرْمُونَة –وهي يومئذٍ من أمنع معاقل الأندلس- ثم حاصر إِشْبِيلِيَة حصارًا شديدًا، طال مداه شهورًا حتى فَتَحت أبوابها أخيرًا، ثم تجاوزها موسى بن نصير إلى الشمال، ولم يكن يفتح المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وإنما اتجه ناحية الشمال الغربي، وهو الاتجاه الذي لم يسلكه طارق بن زياد؛ فقد أراد استكمال الفتح ومساعدة طارق بن زياد؛ وليس أخذ النصر أو الشرف منه.
واصل موسى بن نصير سيره نحو طارق بن زياد، وفي طريقه فتح الكثير من المناطق العظيمة حتى وصل إلى منطقة تسمى مَارِدَة، كل هذا وطارق بن زياد في طُلَيْطِلَة ينتظر قدومه، وكانت مَارِدَة من المناطق التي تجمَّع فيها كثير من القوط النصارى، فحاصرها موسى بن نصير حصارًا بلغ مداه -أيضًا- شهورًا، كان آخرها شهر رمضان، ففي أواخره وفي عيد الفطر المبارك وبعد صبر طويل فتحت المدينة أبوابها، وصالح أهلها موسى بن نصير على الجزية، وهكذا كانت تمرُّ الأعياد على المسلمين في جهاد لنشر دين الله في ربوع العالمين .
وبعد ذلك التقي موسي بطارق حيث واصلا فتح المتبقي من بلاد الأندلس اتجه موسى بن نصير بجيشه إلى الشمال الغربي حتى وصل إلى آخره، وقد ظلَّ المسلمون يفتحون مدن الأندلس؛ المدينة تلو الأخرى حتى تمَّ الانتهاء من فتح كل بلاد الأندلس، إلاَّ منطقة واحدة في أقصى مناطق الشمال الغربي وتُسمى منطقة الصخرة أو صخرة بلاي، وهي تقع على خليج بسكاي عند التقائه مع المحيط الأطلنطي.
يجدر بنا ونحن نتحدث عن موسي أن نؤكد أن المحققين من المؤرخين أنكروا ما روجه البعض من حسد موسى بن نصير لطارق بن زياد، وضربه إياه وسجنه، فهذا أمر لا يكون بين المجاهدين الذين فتح الله على أيديهم بلادا كثيرة فأسلم على أيديهم خلق كثير، ولكن قد يكون موسى غبط طارق على هذه النعمة التي أعطاه الله إياها، فرأى أن يكون له من هذا الفتح العظيم نصيب، وهذا ليس بمحرم عندنا ولا مكروه، بل في هذا يتنافس المتنافسون، ونعم ما تنافسوا عليه الجهاد في سبيل الله ونشر دينه.
هكذا فتحت الأندلس في القرن الأول الميلادي، فتحت بدماء الشهداء الأبرار، ونقل المسلمون بلاد الأندلس من التخلف والجهل إلى نور العلم وحضارة الإسلام، فصارت الأندلس رمزا لحضارة الإسلام وللمكانة التي وصل إليها المسلمون من العلم والتقدم، في ذات الوقت الذي كانت مدن أوروبا في ظلام دامس من تخلف وجهل.
ففي زمن قُدِّر بثلاث سنوات ونصفٍ -ابتدأ من سنة 92هـ=711م وانتهى في آخر سنة 95هـ= 7144م- كان قد تمَّ للمسلمين فتح كل بلاد الأندلس عدا صخرة بلاي هذه، وحين عزم موسى بن نصير على أن يُتِمَّ فتح هذه الصخرة ويستكمل الفتح إلى نهايته، أتاه ما لم يكن يتوقَّعه.
#رسالة_الوليد
من أقصى بلاد المسلمين.. من دمشق.. من أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك تصل رسالة إلى موسى بن نصير وطارق بن زياد بأن يعودا أدراجهما إلى دمشق، ولا يستكملا الفتح، حزن موسى بن نصير وأَسِفَ أشدَّ الأسف، لكن لم يكن بُدٌّ من الاستجابة والعودة كما أُمر.
ولنا أن نندهش مع موسى بن نصير لماذا هذا الأمر الغريب؟! ولماذا الاستدعاء في هذا التوقيت خاصة؟! إلاَّ أن هذه الدهشة سرعان ما تتبخَّر حين نعلم سبب ذلك عند الوليد بن عبد الملك، وكان كما يلي:
1- كان الوليد بن عبد الملك يشغله همُّ توغُّل المسلمين بعيدًا عن ديارهم؛ فهو المسئول عن المسلمين الذين انتشروا في كل هذه المناطق الواسعة، وقد رأى أن المسلمين توغَّلوا كثيرًا في بلاد الأندلس في وقت قليل، وخشي –رحمه الله- أن يلتفَّ النصارى من جديد حول المسلمين؛ فإن قوة المسلمين مهما تزايدت في هذه البلاد، فهي قليلة وبعيدة عن مصدر إمدادها، فأراد ألاَّ يتوغَّل المسلمون أكثر من هذا.
2- كان من الممكن للوليد بن عبد الملك أن يُوقف الفتوح دون عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد، لكن كان هناك أمر آخر عجيب قد سمعه الوليد بن عبد الملك؛ جعله يُصِرُّ على عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق؛ ذلك أنه قد وصل إلى علمه أن موسى بن نصير يُريد بعد أن ينتهي من فتح بلاد الأندلس أن يفتح كل بلاد أوربا حتى يصل إلى القسطنطينية من الغرب.
كانت القسطنطينية قد استعصت على المسلمين من الشرق، وكثيرًا ما ذهبت جيوش الدولة الأموية إليها ولم تُوفَّق في فتحها، وهنا فكَّر موسى بن نصير أن يخوض كل بلاد أوربا؛ فيفتح إيطاليا ثم يوغوسلافيا ثم رومانيا ثم بلغاريا ثم منطقة تركيا الحالية، حتى يصل إلى القسطنطينية من جهة الغرب؛ أي أنه سيتوغَّل بالجيش الإسلامي في عمق أوربا منقطعًا عن كل مدد، فأفزع هذا الأمر الوليد بن عبد الملك، وخشي على جيش المسلمين من الهَلَكَة؛ فعجَّل بأمر عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد.
هنا لا بُدَّ لنا أن نقف وقفة عند هذه الهمَّة العالية التي كانت عند موسى بن نصير؛ خاصة إذا علمنا أنه عندما كان يُفَكِّر هذا التفكير كان يبلغ من العمر خمسًا وسبعين سنة؛ فلله دَرُّه! شيخ كبير ومع ذلك يجاهد في سبيل الله، ويركب الخيول، ويفتح المدينة تلو المدينة، يحاصر إِشْبِيلِيَة شهورًا ويحاصر مَارِدَة شهورًا، ثم يفتح بَرْشُلُونَة وسَرَقُسْطَة والشمال الشرقي، ثمَّ يتَّجه إلى الشمال الغربي ويتجه إلى الصخرة يُريد أن يفتحها، ثم هو يُريد أن ينطلق إلى فرنسا وإيطاليا وغيرها حتى يصل إلى القسطنطينية.
وفي هذا يذكر المَقَّرِيُّ صاحب نفح الطيب أن موسى بن نصير ترك الأندلس «وهو مع ذلك متلهِّف على الجهاد الذي فاته، أَسِيفٌ على ما لحقه من الإزعاج، وكان يُؤَمِّل أن يخترق ما بقي عليه من بلد إفرنجة فرنسا، ويقتحم الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشام مؤملاً أن يتَّخذ مختَرَقُه بتلك الأرض طريقًا مَهْيَعًا يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم -من المشرق وإليه- على البرِّ لا يركبون بحرً»..
، وبعد ذلك واصل موسى السير، حتى وصل إلى دمشق فاستقبله الوليد وأحسن استقباله، وتحامل على نفسه -وهو مريض- وجلس على المنبر لمشاهدة الغنائم وموكب الأسرى، فدهش الخليفة مما رأى وسجد لله شكرًا، ثم دعا موسى بن نصير وصبَّ عليه من العطر ثلاث مرات، وأنعم عليه بالجوائز.
ولم يمضِ أربعون يومًا على ذلك حتى مات الوليد بن عبد الملك، وتولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك ومن يومها بدأت متاعب موسى بن نصير، فقد أراد سليمان أن يعاقب موسى بن نصير لخلاف بينهما فأمر به أن يظل واقفًا في حرِّ الشمس المتوهجة، وكان قد بلغ الثمانين من عمره، فلما أصابه حر الشمس وأتعبه الوقوف سقط مغشيًّا عليه، وبعدها اندفع موسى يقول في شجاعة مخلوطة بالأسى للخليفة سليمان بن عبد الملك: (أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي ولا قدر جزائي).
وعاش موسى في دمشق وهو راض عما نزل به من قضاء الله، وندم سليمان على
ما فعله في حق موسى، وكان يقول: ما ندمت على شيء ندمي على ما فعلته بموسى، وأراد سليمان أن يكفر عن ذنبه، فاصطحب موسى بن نصير معه إلى الحج في سنة 99هـ، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة في أثناء الرحلة، وفرح شيخ المجاهدين بلقاء ربه بعدما قضى أعوامًا رفع فيها راية الجهاد.. فسلامًا عليك يا شيخ المجاهدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق